المؤمن يدرك من أعماق قلبه أن الله جل شأنه هو الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، ما من شيء إلا وهو خالقه، وما من خير إلا وهو سائقه، وما من ضوء إلا وهو مشرقه، وما من رزق إلا وهو رازقه، وما من أمر إلا وهو مدبره، والله سبحانه وتعالى يسبح كل شيء بحمده، ويهتف بمجده، ويشعر بالذل في ساحته، فأكرم منزلة للإنسان أن يكون بين يدي ربه راكعًا أو ساجدًا يقول: سبحان ربي العظيم أو سبحان ربي الأعلى..وهذا هو إخلاص التوحيد لله.. وهو المحور الذى تقوم عليه سورة الزمر.
¤ فريقين من البشر:
وقد تضمنت سورة الزمرسبع مقارنات بين فريقين من البشر: فريق آمن ووحَّد ونزَّه وإنتقل التوحيد في حياته من التوحيد في العقيدة إلى التوحيد في العمل والسلوك، فأصبح مؤمنًا ظاهرًا وباطنًا، وفريق إختلطت عليه الأمور وتوزعته الأهواء في كل ناحية فكفر وضل عن الطريق..
*المقارنة الأولى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَاب}
أيستوى من هو قانت آناء الليل ساجدًا وقائمًا يرجو رحمة ربه، كمن هو نائم ملء أجفانه لا يزعجه عن تهجد أو رغب في طاعة الله؟ أيستوي من طهر فمه بتلاوة القرآن ومن أغلق فمه فلم يتلُ حرفًا؟
* المقارنة الثانية: {أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من النار} وهذه المقارنة حذف فيها طرف وأثبت فيها طرف، وهنا أثبت الطرف الذي حق عليه كلمة العذاب لأنه زاع وضل، أفمن حق عليه كلمة العذاب لأنه تكبر وطغى فأضله الله وأذله كمن عاش على نحو آخر إستحق به أن يلهمه الله رشده وأن يتم له نوره زأن يحفظ عليه نعمته؟
* المقارنة الثالثة: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} وهذه المقارنة كسابقتها ذكر فيها طرف وحذف فيها طرف، إلا أن الذي ذكر هنا هو النوع الطيب، والذي طُوي النوع الخبيث.
* المقارنة الرابعة: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ}، ومعنى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} فتسود ملامحه، وتنطمس معالمه، ويكسو حريق النار أديم وجهه، كمن يجيء آمنًا يوم القيامة: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
هذا هو الفارق بين الاثنين، وهو فارق كبير، لكن هل يظلم ربك أحدًا؟! لا، ولذلك يقول بعد هذه المقارنة: {وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ}.
* المقارنة الخامسة: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ*وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} هذه المقارنة تحكي صنفين من الناس: صنفٍ صادقٍ يتبع الصدق في حياته ويهتدي بسناه في سيرته وأخلاقه، وصنفٍ كاذبٍ يتبع الضلال ويمشي في الدنيا معوجَّ المسلك..
* المقارنة السادسة: «وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} المقارنة واضحة، الذين كذبوا على الله لهم مصير أسود، والذين صدقوا معه وصدقوه لهم مصير طيب ومن الكذب على الله أن تشرك به، ومن الكذب على الله أن تختلق حديثًا على نبيه، ومن الكذب على الله أن تبتدع خرافة من عندك ثم تجعلها دينًا..
* المقارنة السابعة: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ*قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ*وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ*وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} وختمت المقارنات بهذه المقارنة الأخيرة لأهل النار وأهل الجنة.. الكافرون يساقون الى جهنم فى جماعات متفرقة لكل جماعة قائد هو رأسهم فى الكفر، لتفتح لهم الملائكة حفظة النار ابواب جهنم السبعة فيستقروا بها..أما المؤمنين فيساقوا الى الجنة سوق اعزاز وتكريم وتشريف فتستقبلهم الملائكة من حفظة الجنة بالترحيب ليدخلوها بسلام وامان فلاموت فيها ولافناء...
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
المراجع نظرات فى سورة الزمر للإمام: محمد الغزالى
اعداد: غادة بهنسي.
المصدر: موقع البوابة الدينية.